بعد الغزو العراقي المشؤوم للكويت في آب 1990 فرضت أمريكا والامم المتحدة والعالم , حصارا على العراق لم يسبق له مثيل في التاريخ "منذ حصار قريش لبني هاشم" والذي كًتبت بنوده على صحيفة علّقوها في جوف الكعبة سنة سبعٍ من البعثة النبوية,, سمي الحصار العراقي بحصار "النفط مقابل الغذاء" كتبت بنوده بدم الملايين من الاطفال والنساء والشيوخ الذين قضوا جوعا ومرضا بسببه . وأجهزوا على ماتبقى من العراق كدولة عام 2003 من خلال الغزو الامريكي والذي شارك وبارك فيه كل العالم .. ومرة أخرى أيضا وبالإجماع .
حصار النفط مقابل الغذاء كان المقدمة والتمهيد للقضاء على العراق , وقد دفع الكل ثمن ذلك, الشعب الذي عانى وما يزال, والنظام الذي سقط تحت وطأة الضربات الامريكية والتحالف الدولي حينها . لقد كان غزوا جبارا وعنيفا تغدو أمامه عاصفة الصحراء كنزهة في مخيم للكشافة .
1995 عام الحصار والعقوبات .. إيران والعراق
فرضت الولايات المتحدة في عهد الرئيس الأسبق بيل كلينتون عقوبات مشددة ضد إيران وليبيا في أغسطس 1995 عرف بقانون داماتو، وهو اسم السيناتور ألفونسو داماتو واضع المشروع .
Oil-for-Food Programme أصدر مجلس الأمن القرار رقم 986 في آب 1995 المسمى برنامج النفط مقابل الغذاء لمعاقبة العراق ..
عقوبات دوماتو منعت ايران من تصدير منتجاتها النفطية بما فيها منع استيراد الفستق الايراني من قبل أمريكا, لم تترك تلكم العقوبات نفس الاثر الذي تركه حصار النفط مقابل الغذاء على النظام والشعب العراقي معا, وذلك لاختلاف الزمن والظروف التي فًرضت فيها تلكم العقوبات على كل من العراق وإيران .
حكاية الحرب الفستقية الامريكية الايرانية
يحكى أن اول بذور لاشجار الفستق التي زرعت في بعض الولايات الاميركية كانت من أصل ايراني, حيث جلبها معه من ايران عالم النبات الامريكي "ويليم وايتهاوس"في ثلاثينات القرن الماضي , حيث جلب معه عشرة 10 كيلوغرامات من اجود بذور كرمان والتي تعتبر من ارقى انواع الفستق في ايران. ومنذ سفوط الشاه وحرب الفستق قائمة بين امريكا وايران للاستحواذ على الاسواق العالمية, كما واخذت طابعا سياسيا وحين كانت امريكا تسعى إلى زعزعة استقرار الرئيس الايراني السابق هاشمي رفسنجاني بين عامي 1989 و1997, ومعروف أن رفسنجاني بنى ثروة ضخمة من تلك التجارة .
تشكل لوبي امريكي فستقي قوي من منتجي الفستق, خسرت صادرات ايران بموجبه نصيبا كبيرا من السوق العالمي للفستق وحتى قرب نهاية عهد أوباما الذي رفع العقوبات الفستقية عن ايران من ضمن قائمة طويلة من السلع, ولربما يكون وَلَه الرئيس الامريكي السابق بالنظام الايراني يعود لحبه لفستقهم, ربما .
العراق لاينتج الفستق ولا البندق
النظام العراقي السابق لم يستثمر قوة موارده الاقتصادية كبلد نفطي سياسيا, وكما فعلت إيران منذ 1979, وخصوصا بعد غزو الكويت والعقوبات التي فُرضت عليه وبالتوازي حصارا سياسيا أيضا مما جعله يقف وحيدا وفي موقف ضعيف وسط عالم متحفز, فلم يكن للعراق او النظام السابق نفس قوة وعمق العلاقات التي تمتلكها ايران مع روسيا والصين تحديداً, وكذلك علاقاتها مع أمريكا والغرب وإسرائيل أيضا وهو واقع حال لن يستطيع احد انكارة رغم كل الشعارات الزائفة من الموت لامريكا واسرائيل ابتداءا والتي يتاجر بها النظام الايراني .
إن تدني علاقات النظام العراقي السابق مع كل العالم غربا وشرقا , كانت من الاسباب المباشرة والمساعدة لما وصل اليه الحال اليوم في العراق, لننظر الى النظام السوري كمثال يضرب به ويقاس عليه, فرغم كل جرائمه ضد الانسانية التي مارسها بحق شعبة, فهو باق من خلال استثماره بعلاقات مصيرية مع حلفاءه ابتداءا من ايران وروسيا والصين وماخفي اكثر, وهذه امور في عالم السياسة يراها الكثيرون طبيعية, لان السياسة هي فن التمكين للمصالح, وليس هناك مكان لأي مفهوم قيمي في مضمونها الغربي السائد اليوم .
ايران رغم اي حصار سابقا او لاحقا بما فيها العقوبات التي تفرضها ادارة الرئيس ترامب اليوم سيكون لديها مجال كبير للمناورة والتحرك من خلال محور العلاقات الاقتصادية والسياسية مع الجانب الروسي والصيني وكذلك الاوروبي وحتى الاقليمي وتركيا تحدبدا, فتركيا في ظل الظروف القائمة اليوم والتهديد بالحصار ستكون بوابة ايران الرئيسية نحو الاسواق العالمية, وهو أمر بالغ الاهمية والخطورة لم نحسن كبلاد عربية احتواءه ولاسباب كثيرة في مقدمتها ان الرئيس التركي استطاع ومايزال اللعب على كل المحاور, يضاف الى ذلك فلايران بواباتها الخلفية في العراق تحديدا وربما في سوريا لاحقا الماضية على طريق التقسيم"لاقدر الله", وفي اليمن في حال الوصول الى حل سياسي للحرب هناك ليضع الحوثي على طاولة المفاوضات , وصولا الى لبنان كإمتداد جيوسياسي لنفوذها .
كل هذا مجتمعا من المؤكد سيؤثر على قابلية ايران "النظام" في ادامة حروبها في تلكم البلاد بشكل ما , خصوصا وهي تواجه انهيارا للاقتصاد والعملة في الداخل, وثورة شعبية مستمرة كأداة ضغط لتغيير سياسات النظام , وهو رهان ربما سيطول, إن تحقق .
ايران مطمأنه تماما الى ان الزمن لن يعود الى الوراء مرة أخرى وان التجارب لاتتكرر ومنها تجربة العراق والغزو الذي تعرض له رغم عدم وجود اسباب موضوعية لذلك الغزو حينها , ايران مطمأنه الى عدم قدرة ورغبة امريكا واسرائيل وكل العالم الغربي وقوى اقليمية ايضا في تكرار تجربة الحرب والغزو مرة ثانية " رغم كل ادعاءاتهم عكس ذلك" ولاسباب موضوعية كثيرة تعلمها جيدا وتلعب عليها ومن خلالها .
العقوبات على ايران لن تؤثر الى المدى الذي يؤدي تغيير االنظام, وربما يكون هذا هو واحد من الأمور التي تعلمها جيدا الدول نفسها التي تتصدى لفرضها وفي مقدمتها أمريكا, بإدارتها البراغماتية الحالية, والتي تلعب على كل الحبال وهدفها الوحيد مدى الاستفادة من كل الازمات للخروج منها بمكاسب مادية بمصاحبة اوركسترا اعلامية والتي ترافق الشعارات والبروباكندا التجارية .
امريكا والغرب تطلق ابواقها معوّلة على التغيير من خلال الضغط الشعبي من الداخل , من خلال التظاهرات والاعتصامات .
العالم كله, يعلم جيدا ان النظام الايراني نظام شمولي قمعي ممولاً ومُصدراً للارهاب, ومحتلاً لدول مجاورة, ويسعى لامتلاك سلاح نووي وبتحد سافر , ورغم ذلك فالعالم كله يتعامل معه سياسيا وعبر القنواة الدبلوماسية, وذلك تعبير واقعي لسياسة الغرب في الازدواجية والكيل بمكيالين في التعامل مع قضايانا ومنذ عقود .
العراق في تاريخه الحديث, هو بلد الثورات والانقلابات, وكل من يدعي غير ذلك فهو واهم , الشعب الضعيف والمقهور والمستضعف لن يستطيع التغيير لوحده الا بمعجزة كالتي حدثت في 2003 , حينها كانت الظروف السياسية عربيا ودوليا واقليما مختلفة عما هي عليه اليوم, لم يكن الشعب العراقي يوما ما قائدا للتغيير من خلال الرفض الشعبي والثورة, رغم ان مانراه اليوم يمثل ومنذ بضعة سنوات ظاهرة جديدة على الواقع العراقي ربما جاءت كنتيجة طبيعية لضعف الدولة والانفلات الامني وضغط الفساد وقسوة الحياة وغياب الخوف وعدم الرغبة في العيش مع كل هذا الهوان ,
ومن هنا والى حين قيام جبهة مقاومة موحدة وطنية تذوب في وجدانها الخلافات الطائفية الدخيلة وتحت قيادة وطنية معلومة قوية وقادرة سيبقى العراق تحت رحمة ملالي طهران وصعاليكهم .
نحن لانتمنى ان تقوم حرب ضد أيران لان ثمنها سيدفعه الشعب الايراني لوحده ومنفردا وكما دفعه الشعب العراقي والسوري والليبي واليمني, ولأن شررها سيطال المنطقة برمتها نظرا لتعنت ورعونة نظام الملالي, إن الدفع بإتجاه المواجهة العسكرية المياشرة مع أيران ستترتب عليه فاتورة كبيرة وثقيلة ستضطر كثير من الاطراف الاقليمية الى تحمل الجزء الأكبر من أعبائها في ظل ظرف استثنائي مثقل بالأعباء أصلاً , يعاني منه الجمبع بلا استثناء .
سيظل الحصار والعقوبات على ايران نزهة بين عقوبات الفستق لداماتو وعقوبات البندق لادارة ترامب,, وربما سيكون للشعب الايراني شأن آخر والكلمة الفصل رغم إختلاف الظروف عما جرى في عام 1979 .