0
كتب / علي علي…
هناك مثل دارج أراني اليوم مجبرا على ذكره في مقالي هذا، بعد أن تحفظت كثيرا على إدراجه في مقالات سابقة، لالشيء إلا لأني أعتز كثيرا بمنبري هذا وأحرص دوما على إخراجه بأبهى مظهر وأنصع صورة، فأزينه بمفردات ممشوقة وعبارات أنيقة لسببين؛ أولهما كي أكون بمستوى الثقة التي منحني إياها قارئي. وثانيهما لأني على يقين أن القارئ يعي ماأتناوله في مقالي جيدا، لاسيما فيما يخص ساستنا ومسؤولينا في مجالس الدولة القليلة في عددها، الكثيرة في مشاكلها وتقاعسها وآثارها السلبية على البلاد وملايين العباد، ولاأظنني آتي بشيء جديد على القارئ حين أشير الى واحدة من تلك السلبيات، فهي مطروحة ومعروضة في الشارع العراقي وعلى مسمع ومرأى الجميع. لكنها رسالة تحكمني فيها المهنية وقبلها الإنسانية والوطنية.
وبعودة الى مابدأت به مقالي، فالمثل الدارج -أجلّ الله القارئ- يقول: (غنم ماشايفين..! بعرور هم ما شايفين؟!). ما ذكرني بهذا المثل معاملة السياسيين والقياديين في البلاد إزاء الإعلام والإعلاميين، وكذلك الصحافة والصحافيين. إذ يشكو الساسة دوما مما تتناوله الصحافة والإعلام فيما يخص تصريحاتهم وخطاباتهم، ونراهم يلقون اللائمة على هذا الصحفي أو ذاك الإعلامي، بل تتعدى ردود أفعالهم لتتجاوز اللوم، إذ لطالما حصلت اعتداءات على كادر إعلامي، ولطالما تعرض صحفيون إلى معاملة سيئة تصل حد الإهانة والضرب، بل والقتل أحيانا، وهو قطعا غاية الجبن وضعف النفوس.
لعلي لا أضيف شيئا أو معلومة عن الصحافة والإعلام، إن ذكرت تفاصيل مايقومان به من واجب مقدس، ينبغي على الجميع –وأولهم السياسيون- إيلاؤه جانبا كبيرا من الاهتمام، سأبث مايجيش في خاطري عن كنه الصحافة وحقيقة الإعلام، وهو حتما يجيش في خاطر القارئ أيضا، وأوجهه للمعنيين من ساستنا وقادتنا “لعلهم يتفكرون”:
الإعلام.. هو سلطة الشعب الذي انتخبكم وسلطكم على حاضره ومستقبله، واختاركم كي تنصفوه حقوقه بعد أن بخسها سابقوكم.
الإعلام.. هو صوت الفقراء المغمور خلف بيوت الصفيح والطين في العراء، وتحت الجسور وفي المقابر والـ (تجاوزات) بعد أن تجاوزتم على حقوقهم ونهبتموها.
الإعلام.. هو نداء الثكالى اللائي فجعن بفلذات أكبادهن، بسبب صراع بينكم وعراك بين (زعاطيطكم).
الإعلام.. هو آهات وتأوهات كبار السن من الذين أفنوا ريعان شبابهم في مؤسسات الدولة العراقية، متأملين اتكاءهم على مرتب تقاعدي يغنيهم عن (مدة الإيد) ويعينهم على متاعب الكبر والمرض والوحدة.
الإعلام.. هو مطالبات الشبان الخريجين الذين يبحثون عن ثمرة دراستهم ومثابرتهم في (مسطر العمالة) و (چنبر الجگاير)، تاركين شهادات الدبلوم والبكلوريوس شاخصة في إطاراتها على الحائط يعلوها التراب.
الإعلام.. هو صوت تلاميذ الصفوف الابتدائية وهم يرددون: دار دور.. داران.. نار.. نور.. نيران. يرددونها حالمين بدفء النار، يرددونها وأسنانهم تصطك من زمهرير الشتاء، في صفوف تئن فيها رياح الـ (چلة) والـ (عجوز) وشباط الـ (أزرگ) إذ لا شبابيك تسترهم، ولا وسائل تدفئهم.
الإعلام ياساستنا.. هو الذي يكشف أغطيتكم النائمين تحتها منذ انتخبكم شعبكم، لعلكم تصحون قبل فوات الأوان.
الإعلام.. هو المؤسسة التي تضم من النخب من يسمو دوره على دوركم أيها الساسة، فهو يبني وأنتم تهدمون.
الإعلام.. هو ثلة من أناس حملوا أرواحهم فوق راحاتهم، لكشف حقيقة او إيصال صوت او عرض مشكلة وبحث حلولها، متحملين معارضتكم لهم ومحاربتكم إياهم.
الإعلام.. هو الكوكبة التي فاضت روحها وهي تؤدي مهنتها من جراء بطش قادة وظلم ساسة، سقط صنم بعضهم، وآخرون لاحقون بهم لامحالة.

إرسال تعليق