0




"إن تسليم روسيا منظومات الدفاع الصاروخي إس-300 يهدد بتصعيد خطير" – هكذا جاءت كلمات مستشار الأمن القومي الأمريكي، جون بولتون، وهو محق في ذلك بالفعل.
تأتي خطورة التصعيد من كون الوضع السياسي الداخلي للولايات المتحدة الأمريكية وروسيا، يجعل الرئيسين الأمريكي والروسي شديدي الحساسية لأي فشل في سياساتهما الخارجية، فالولايات المتحدة تفقد زعامتها للعالم، ما يدفع الرئيس الأمريكي، دونالد ترامب، إلى بذل جهود مضاعفة لمحاولة إرغام العالم على استعادة هيبة واحترام أمريكا، كما أن مقعد الرئاسة مهتز، ولا يحتمل أي ضعف، وبالذات أي تنازلات تجاه روسيا.
من جانبها، تقع روسيا تحت ضغط خارجي كبير، يتطلب تضامن الشعب الروسي بقوة حول قيادته متمثلة في الرئيس الروسي، فلاديمير بوتين، كما أن الوضع الاقتصادي يمكن أن يسوء إذا ما قامت الولايات المتحدة الأمريكية بتطبيق الحد الأقصى من العقوبات الاقتصادية، أضف إلى ذلك، وبالتوازي، القانون الروسي الصادر مؤخرا بشأن رفع سن التقاعد، والذي يواجه اعتراضا واحتجاجات شعبية، وهو ما يرفع حساسية السلطة تجاه المؤشرات الشعبية ومدى رضا الجماهير عن السياسات المتبعة. في ظل كل هذه الظروف، لا يستطيع بوتين أن يتحمل هزيمة كبرى أو إذلالا علنيا للدولة الروسية في سوريا.
من هنا كان على الطرفين أن يواجها التصعيد بتصعيد مساو في القوة، ومضاد في الاتجاه، وهو ما يجعل مسألة اندلاع نزاع مسلح بين روسيا والولايات المتحدة الأمريكية أمرا محتملا، لكن بوتين حتى اللحظة يفعل المستحيل، كي لا يرد بالمثل، أو لا يرد بالمرة على الاستفزازات الأمريكية الصغيرة. في المقابل فإن أمريكا أيضا تتصرف بحذر معقول في سوريا، متجنبة أي احتكاك عسكري مع روسيا.
وهنا تخرج إسرائيل، مثل طفل مدلّل لم يتعود أن يحرم نفسه من كل ما يريد، لتصرح بأنها سوف تواصل العمليات العسكرية في سوريا، ما يعني أنه من المحتمل أن تحاول تدمير منظومات إس-300 التي ستصل إلى سوريا.
لقد التزمت روسيا دائما بالحياد في الصراع الإسرائيلي الإيراني، وهو ما منح إسرائيل بعض الحرية في عملياتها العسكرية في سوريا، لكن مصرع 15 ضابطا روسيا بجريرة إسرائيل بمثابة محرك خطير، يهدد استقرار السياسة الداخلية الروسية، ومن المستحيل تجاهله.
أما وجود منظومات إس-300 لدى السوريين، فيدفع باحتمال استخدامها ضد الإسرائيليين، والولايات المتحدة الأمريكية، وسائر دول حلف الناتو، ممن يرون بضرورة توجيه ضربات عسكرية لسوريا، الأمر الذي يضاعف من خطورة اندلاع نزاع أوسع نطاقا، أو التورط في ظروف غير محسوبة العواقب بالمرة.

من هذا المنطلق يعد تسليم منظومات إس-300 لسوريا بالفعل تصعيدا خطيرا من جانب روسيا، على الرغم من أنه ليس فعلا، بل ردة فعل، ولا أعتقد أن بوتين أو وزارة الدفاع الروسية لم يضعا في اعتبارهما استمرار الاستفزازات الإسرائيلية، والبدائل المتاحة لردود الأفعال عليها، وبما أن قرارا كهذا قد اتخذ، فمعنى ذلك أن أصحابه متفقون ضمنيا على اتخاذ جميع الاحتياطات لكافة التداعيات المحتملة.
من وجهة نظري الشخصية، فإن الوضع الراهن يطرح سؤالين، من الممكن أن يشرحا السبب في الخطوة الروسية:
هل أدرك بوتين أن الصدام العسكري قادم لا محالة، فقرر أن يخطو الخطوة الأولى؟
الأمر الذي تعززه مقولة بوتين ذات مرة: "إذا كان القتال حتميا، فلتبدأ أولا بالضرب".
أم أن هذه الخطوة ليست سوى "تصعيد من أجل خفض التصعيد"، على أمل أن "تبرد هذه الخطوة الرؤوس الحامية" على حد تعبير وزير الدفاع الروسي، سيرغي شويغو، حينما يصبح ثمن الاستفزاز الإسرائيلي المحتمل باهظا بالنسبة لتل أبيب؟
لكن ميزان القوة العسكرية في المنطقة ليس لصالح روسيا، خاصة إذا ما وضعنا في الاعتبار انخراط الولايات المتحدة والناتو في الصراع، حال اندلاع نزاع واسع النطاق بين روسيا وإسرائيل و/أو مع الولايات المتحدة في سوريا، ما يعني أن روسيا سوف تستنفد قدراتها العسكرية بسرعة، وتصبح أمام حتمية اللجوء للخيار النووي، إذا لم تكن مؤهلة لتجرع الهزيمة. وهنا يطرح السؤال الثالث نفسه: هل يستطيع بوتين استخدام السلاح النووي، في حال اندلاع نزاع عسكري واسع النطاق بين روسيا والولايات المتحدة الأمريكية وحلفائها؟
أخاف أن المسافة التي تفصل بين نزاع مسلح واسع النطاق بمشاركة روسيا، والضغط على الزر النووي في موسكو أقصر بكثير من نفس المسافة في واشنطن، وأقصر بكثير مما يظنه الإسرائيليون. بكلمات أخرى تلك المسافة بين ضرورة الاختيار بين الهزيمة وزعزعة استقرار روسيا من ناحية، وبين اللجوء إلى استخدام الأداة المتبقية لضمان عدم هزيمة روسيا من ناحية أخرى، الأمر الذي ينطبق على الوضع السوري، حيث تقف روسيا مهددة وفقا لميزان الأسلحة التقليدية.
يصعب عليّ تخيل أن بوتين سوف يكون مستعدا لقبول الهزيمة في سوريا، أو في أي مكان آخر. لقد كانت الثورة الروسية الأولى عام 1905 نتيجة لهزيمة روسيا في الحرب الروسية اليابانية، إلى جانب عوامل أخرى، وكانت ثورة عام 1917 بالدرجة الأولى نتيجة للمشاركة الفاشلة لروسيا في الحرب العالمية الأولى. لا يعتريني أدنى شك في أن بوتين قد تعلّم درس انهيار الاتحاد السوفيتي، حينما تسبب غياب الإرادة السياسية عن قيادة البلاد في معاناة الشعب بأسره. وبالنظر إلى خطورة الحملة الصليبية الأمريكية الاستعراضية ضد روسيا، أعتقد أن بوتين يعي ثمن الهزيمة بالنسبة له ولروسيا، وبهذا الصدد أذكر مقولة أخرى له:"وما الذي نريده من عالم، لن تكون روسيا موجودة به؟!".
ليس لدي إجابات على الأسئلة المطروحة، لكنني أدرك تماما أن المساحة الميكروسكوبية لدولة إسرائيل، ليست المكان الموفق لانتظار حرب بين قوتين عالميتين نوويتين، ومع الأسف فإنني أرى أن خطورة حرب كهذه ارتفعت كثيرا بعد الاستفزازات الإسرائيلية.
المحلل السياسي/ ألكسندر نازاروف
المقالة تعبر فقط عن رأي الصحيفة



إرسال تعليق