محمود المفرجي الحسيني
عملت خلال مسيرتي الصحفية التي اراها ناجحة، في جميع قطاعات الصحافة تقريبا، فضائيات وصحف ووكالات وعلاقات، وتبوأت مناصب صحفية تكاد تكون جيدة مثل رئيس تحرير وكالة انباء، وادارتي لغرف اخبار بعض الفضائيات.
لكن ابرز حقبة في تاريخي المهني كانت عملي بصفة (مراسل) في وكالة نينا للانباء لاكثر من خمس سنوات، وتحت ادارة الصحفي الكبير المخضرم شيخ الصحفيين العراقيين محسن حسين، كنت شاهد خلالها على احداث كبيرة مرت على العراق وحضرت العشرات من المؤتمرات الصحفية لشخصيات عالمية مشهورة داخل وخارج العراق منها كل مؤتمرات لرؤوساء ووزراء الدول الذين زاروا العراق وكذلك الامين العام للامم المتحدة وشخصيات اخرى لا استطيع ان احصيها.
هذه الشخصيات التي شاهدتها وتكلمت معها لم يكن امتيازها بانها تمثل بلدها فحسب، انما كانوا لديهم امتيازات شخصية خاصة وكان جملة منهم يحملون اعلى الشهادات ويبرعون في قطاعات اخرى غير براعتهم في السياسة، وجملة منهم يملك دهاء سياسي عجيب، وهذا الدهاء يجعلهم يحسنون التعامل مع الاعلام ومع الاسئلة التي تطرح عليهم ويجيبون عليها مهما كانت محرجة، بل ان بعضهم يجيب باجابات تحرج الصحفيين انفسهم بشكل ذكي ومختصر.
التعامل مع الصحافة ليس شيئا سهلا لان الصحافة سلاح ذو حدين اما ان تحسن التعامل معها او تقع في مطبات محرجة ربما تضع المسؤول في موضع السخرية، وفعلا وقع في مطب الصحافة شخصيات كثيرة عراقية وعربية وعالمية وبمواقف محرجة، لان الصحفيين البارعين ليسوا اقل شأنا في الثقافة وسعة الذهنية من المسؤول او الممثل لدولته، لانهم يملكون معلومات كاملة عن قطاعهم ولهم القدرة في تمييز وتحليل اي اجابة تصدر من المسؤول.
وعادة السياسي البارع يبتعد عن الاستعراض في ابداء مقدرته الثقافية بكيفية اجابته على اسالة الصحفيين لكي يتجنب تاويل كلامه وليتجنب الخطأ.
اما بعض المسؤولين العراقيين فتنقصهم الخبرة في كيفية التعامل مع الصحافة لهذا فان جملة منهم وقعوا في مطبات وكان لجملة منهم موضع سخرية في كثير من المواقف مثل فلان وفلان وفلان.
ومن الشخصيات الملفتة في العراق التي لا تحسن التعامل مع الصحافة هي وزير الخارجية السيد ابراهيم الجعفري الذي يحب حد الشغف استعراض ثقافته، وهذا سبب بوقوعه بكثير من المطبات وتعرضه للجدل والاخطاء في كثير من المؤتمرات والمناسبات، رغم لطافته ولياقته كشخص.
اعتقد وحسب قراءتي ان سبب هذا الاستعراض الذي يلجأ اليه الجعفري هو ليعطي انطباع بانه شخصية فذة ونادرة في زمانه، وهذا الامر بالتاكيد يدخل ضمن نطاق (العجب) -بضم العين- وهو محرم دينيا، ومكروه اجتماعيا.
ورغم ان وسائل الاعلام العراقية نبهت الجعفري في اكثر من مناسبة الا انه لم يكف من هذا الاستعراض الذي اوقعه في المطبات اخرها ، اليوم الثالث عشر من ايلول 2018، عندما عقد مؤتمر صحفي على هامش اجتماع القمة العربية بالقاهرة على المستوى الوزاري، لمناقشة القضايا العربية. وقد بدأ المؤتمر وفق نظرية (البيضة من الدجاجة والدجاجة من البيضة)، بقوله "الإعلاميُّ يُكمِّل السياسيَّ، والسياسيُّ يُكمِّل الإعلاميَّ، فننتظر منكم ما تجود به قرائحكم من أسئلة تُشكـِّل بوارق أمل، وومضات ثقة بالمُستقبَل؛ حتى نتهجَّى طريق الصعود".
ثم قال "مصطلح السلطة الرابعة أنا لا أشكُّ أنه سلطة، ورابعة، ولكن ليس -بالضرورة- سلطة رابعة دائماً، فقد يكون في بعض مقاطع الزمن سلطة أولى، والحكومة سلطة ثانية، والقضاء سلطة ثالثة، والبرلمان سلطة رابعة، وقد يكون في مقطع ثانٍ من الزمن سلطة ثانية، وثالثة. فوصفها بالرابعة يعني دائماً تأتي بالمرتبة الرابعة، وأنا لا أقِرُّ ذلك". انتهى كلام السيد الجعفري.
لمعلومات السيد الجعفري ان مصطلح السلطة الرابعة ظهر في منتصف القرن التاسع عشر بكثافة انسجاماً مع الطفرة التي رافقت الصحافة العالمية منذ ذاك الحين، ليستقر أخيراً على معناه الذي يشير بالذات إلى الصحافة وبالعموم إلى وسائل الاتصال الجماهيري (mass media)، كالإذاعة والتلفاز.
ويبدوا ان السيد الجعفري يملك فهم خاطئ بربطه بالسلطات الدستورية الثلاث، التشريعية والتنفيذية والقضائية، باعتبار أن الصحافة -أو وسائل الإعلام عموماً- هي رابع سلطة دستورية نظير ما لها من تأثير؛ إلا أن السلطة المعنية في المصطلح، تبعاً لمن أطلقه أول مرة، هي القوة التي تؤثر في الشعب وتعادل، أو تفوق، قوة الحكومة.
ولمعلوماته ايضا ان الصحافة ترتكز على البساطة ولا تتلائم مع الاستعراض، بدليل نحن كصحفيين نقوم في احيان كثيرة بتبسيط الجمل وبعض التعابير ليفهمها الشارع حتى لو استخدمنا مصطلحات بسيطة دارجة ومتداولة في الشارع، مثل ستوتة او بسطية او مسطر ... الخ
بالطبع انا التقيت به عشرات المرات واحترم الرجل كشيبة اولا وشخصية ثانيا، وعندما انتقد لا يعني اني انال من شخصيته، انما هو ممثل للعراق وفي اخطر وزارة في العراق وعليه ان يتحمل اي نقد، ولا يصح ان يستعرض على حساب العراقيين، فلا اريد ان اتطرق للاشكالية التي وقعت في نفس المؤتمر مع الوفد السعودي التي ذكر فيها اية قرانية وقصة بلقيس، بربكم مؤتمر سياسي يتكلم فيه وزير خارجية العراق عن بلقيس ؟
ان الاشكالية مع الوفد السعودي هو دليل بان وزراء الخارجية لا يفهمون ما تقول ، وليس اساءوا الفهم كما قلت انت معالي الوزير .
اعتقد على السيد الجعفري ان يكف عن هذا الاسلوب الممل في التعاطي مع المؤتمرات الخارجية لانه يمثل العراق ولا يمثل نفسه.
إرسال تعليق
إرسال تعليق