عبدالله جعفر كوفلي
الانتخابات و بشكل مختصر هي طريقة اسناد السلطة لشخص معين بعد ان يتم اختياره بواسطة التصويت وهي من اهم مظاهر الديمقراطية في المجتمع بل اكثرها تأثراً وقوة في بيان توجهات الشعب وتطلعاته، اما شراء الذمم فتعد مشكلة اجتماعية وسياسية تعاني منها اغلب المجتمعات وبالأخص عند الاحزاب السياسية والجمعيات وحتى المؤسسات مع التفاوت في قوتها وضعفها بين فترة واخرى ومكان وآخر .
إن علة شراء الذمم قديمة حيث لم تكن وليدة اليوم، بل تمتد جذورها الى التاريخ لان الاطماع، والمصالح الفردية كانت ولا تزال موجودة وغالباً ما تفوق المصالح المجتمعية للتجمعات الانسانية، وهذا ما يدفع اصحاب الاهداف الشخصية الى بيع ذممهم يقابلها شراء هذه الذمم من قبل جهات اخرى.
اذن شراء الذمم هو اتفاق بين شخص و شخص اخر او حزب او كتلة او جمعية معينة على قيام الشخص الاول بالانسحاب من حزبه او كتلته مقابل منفعة معينة بهدف التقليل من ثقل و وزن تلك الجهة التي ينتمى اليها هذا الشخص .
تطفو هذه العلة الى السطح بشكل واضح في الفترة التي تسبق الانتخابات بأشهر وبالأحرى عند تقديم الاحزاب والكتل بقوائم مرشحيهم الى مفوضية الانتخابات وتبدأ الجهود تبذل والخطط ترسم لشراء ذمة المرشح الفلاني من القائمة الفلانية، وبات هذا الوباء السمة البارزة لأي عملية انتخابية سواء للمجالس النيابية ام المحلية، ومظهراً لها بحيث لا يحلو التصويت بدونه، بل ان نشوة النصر بشراء ذمة مرشح تفوق نشوة الفوز بأكثر المقاعد، وانها تدل على القدرة الكبيرة (التفاوضية و المالية) للحزب والقائمة.
إن الانتخابات العراقية و الكوردستانية لم تسلم من هذا الداء بل اصابها حتى العظم، لأن ما يشغل بال الاحزاب والقوائم الكبيرة اكثر من غيرها هي كيفية الوصول الى مبتغاها بمعرفة نية المرشح من الترشيح للتوقيع على بياض من اجل الانسحاب او الاستقالة في بعض الاحيان.
هذه الظاهرة المرتبطة بالانتخابات على الرغم من ايجابيتها التكتيكية الوقتية او ضمان المنفعة الشخصية للمرشح المنسحب او المستقيل، وأحيانا اللجوء اليها ضرورية و أفضل الحلول السيئة لأنها السياسة التي لا تعرف المبادئ وإنما المصالح تفرض نفسها و تحكم لذا فأنها ظاهرة سلبية بالجملة للأسباب التالية:
- إنها تدل بشكل واضح على عدم ثبات المرشح (الذي باع ذمته) على مبادئ قائمته و الالتزام به والاكثر من ذلك أن وجوده و انتمائه الى تلك القائمة كانت لتحقيق اهداف شخصية و الوصول الى المناصب و المكاسب مع علمه المسبق بعدم الحصول على الاصوات اللازمة لضمان مقعد.
- إن شراء الذمم تؤثر بشكل سلبي على الروح المعنوية لأعضاء الحزب او القائمة التي تقوم بالشراء لأنها تفضل افراد القوائم الاخرى بالامتيازات عليهم وإنها باتت طريقة سريعة و سهلة لكسب المناصب والمكاسب ضمن القائمة الاخيرة في حين أن اعضاءها القدامى يعانون من المراوحة وقلة المنافع مقابل العمل بإخلاص واستمرار .
- إن توجيه انظار الجماهير بشكل عام في فترة الدعاية الانتخابية و قبلها الى هذه الظاهرة المتفشية تخلف وراءها تداعيات اليأس و فقدان الامل المعقود على المرشحين بتنفيذ برامجهم و عهودهم بالإصلاح والتغيير بحيث يدخل مؤيدوه الى حلقة فارغة بعد اللعب والمنافسة تنتهي بنقطة البداية مع التأثير في درجة الاخلاص و الحماسة و الايمان بالحملة الانتخابية .
بدأت الاحزاب و الكتل بتسليم قوائم مرشحيها الى المفوضية العليا للانتخابات في اقليم كوردستان استعداداً لأجراء الانتخابات لبرلمان الاقليم المزمع اجراءها في 30/9/2018 وما أن تم الاعلان عن الاسماء إلا و بدأت الانظار تتجه الى شراء الذمم واستعداد بعض المرشحين للمفاوضات و اعداد القوائم الخاصة بالامتيازات و بشروط القبول بالانسحاب والاستقالة من قوائمهم (مع تقديرنا للمرشحين المتمسكين بنهج قوائمهم) وقد بدأ المسلسل .
نلخص الى القول بان شراء الذمم ظاهرة موجودة وتستمر رغم المحاولات الجادة بالحد منها وقد تكون ضرورية في بعض الاحيان ضمن إطار السياسة، لذا نقترح لأجل عملية انتخابية نزيهة محدودة في شراء الذمم ما يلى:-
- فرض غرامات مالية وتحريك دعاوى جزائية من قبل الاحزاب و القوائم ضد المرشحين الذين يبيعون ذممهم للأحزاب والقوائم الاخرى بالانسحاب او الاستقالة منها او التعهد الخطي بعدم الانسحاب عند ترشيحهم.
- إلزام الاحزاب و الكتل الكوردستانية بغلق باب الاستيعاب و شراء ذمم الاخرين بأنظمة وتعليمات خاصة.
- - مساهمة جميع الاجهزة و المؤسسات من الاعلام و منظمات المجتمع المدني و دور العبادة بنشر الوعي الثقافي الصحيح حول الانتخابات و ضرورتها باعتبارها طريقاً لتحسين الاوضاع المعيشية للمواطن دون ربطها بمرشح معين.
إرسال تعليق
إرسال تعليق