0

لا أرى ما يراه البعض من أن الداعية السعودى عائض القرنى قد أعلن اعتذاره تحت الإكراه؛  بل أراه يؤدى دورًا- مثل كثير من الدعاة المصريين الذين كشفهم الانقلاب- متطوعًا مختارًا، وأراه أداة رخيصة فى يد السلطة، وقد سقط فى الوحل مبكرًا، و«اليوتيوب» شاهد على ذلك. أما أن المذيع كان يمارس عليه دور المحقق؛  فهذا غير صحيح؛ بل كان يتعامل معه باعتباره «منافق سلطة» وليس باعتباره «عائض العالم»..

الرجل يشارك سلطات بلده فى توجهها الجديد؛ بل قل فى انقلابها، وتلك جريمة فى حد ذاتها، وهو -للأسف- لم يستح من ذلك، بل أعلنها صريحة وقال: «أنا مع الإسلام الوسطى المنفتح على العالم الذى نادى به سمو ولى العهد الأمير محمد بن سلمان»، وقال: «الإسلام المعتدل والملك وولى العهد خطوط حمراء»، وقال: «أنا سيف من سيوف الدولة، ولا توجد منطقة رمادية، حتى الحياد صار خيانة» -أى أنه باختصار:  طلق الإسلام الذى جاء به محمد بن عبد الله –صلى الله عليه وسلم- وهو الآن -قلبًا وقالبًا- مع (الإسلام الوسطى المعتدل!)؛ الذى يؤسس لإسرائيل الكبرى،  ويحارب الإسلام والمسلمين حول العالم،  ويهيئ المملكة لتكون بلدًا علمانيًّا يلفظ الدين ويعادى الخُلق ويحتضن الرذيلة.

فى اعتقادى أن مضمون حلقته فى برنامج «الليوان» على «روتانا خليجية» من أخبث ما صدر من أحد علماء السلطة حتى الآن، ولو أن ألفًا من كبار العلمانيين خاضوا فى الإسلام ما فعلوا فعله فى هذه الحلقة، وقد تدثر بثوب الدعاة، وزين ردوده بـ«قال الله وقال الرسول!»؛ فالغرض من الحلقة الدعاية لتبنى الأفكار الشيطانية التى جاء بها دعاة الإسلام الجديد بدعاوى باطلة، من بينها الحديث عن «الصحوة» والطعن فيها والذى يستتبعه بالطبع الطعن فى ثوابت ديننا ومرتكزاته.

الحديث عن الصحوة الآن وبعد مضى أكثر من أربعين عامًا على انطلاقها أمر يثير الدهشة، وحديث القرنى عنها -وهو واحد ممن صنعتهم هذه الصحوة- هو الأكثر غرابة،  لكن لو علمت أن المقصود هو تشويه الإسلام لعلمت أنه لا بد من الإتيان من هذه الزاوية؛  فالتشكيك فى الصحوة –وهو أمر لا يثير غضب الجماهير كثيرًا-  سيقود حتمًا وعلى المدى الطويل إلى التشكيك فى الإسلام نفسه،  فضلًا عن أن الاعتذار عنها من قبل داعية مثل القرنى يعد تهديدًا مغلفًا لمن يفكر فى ممارسة شعائر دينه، خاصة الحركية؛ من ثم يجب أن ينحصر الدين بين جدران المساجد، أو فى  صدور الذين آمنوا الذين لا يجب أن يصدر عنهم أى مضايقات لمن يمارسون أعمالًا منافية للإسلام. باختصار: تعطيل ما يُعرف بالأمر بالمعروف والنهى عن المنكر، وعدم مناقشة الحاكم فيما يفعل، [راجعوا الحلقة حيث يتحدث عن هذا باستفاضة].

إن الصحوة التى كانت حدثًا تحرريًّا هو الأبرز فى تاريخ المنطقة وكانت تمهيدًا للربيع العربى الذى لا زالت جولاته مستمرة حتى الساعة -تعادى بالتأكيد رؤية المملكة 2030 التي يعد القرنى أحد دعاتها والمروجين لها، وهذه الرؤية قائمة على التخلى عن الدين «الانفتاح» والقبول بما لم يقبله الكتاب والسنة «الوسطية المعتدلة»؛  لهذا يقول القرنى ضمن اعتذاره إنه تحول من التنفير إلى التبشير، ومن التعسير إلى التيسير، وهذا ما جعل المشبوهين وخصوم الدين يرحبون باعتذاره، وإن كانوا قد طالبوه بالمزيد من التنازل وعدم الاكتفاء بما قدمه من تفريط فى هذه الحلقة.

لقد حاول القرنى استخدام ذكاءه فى خداع المشاهد عند الحديث عن الصحوة،  فلم يبدأ بالهجوم عليها عقب سؤال المذيع الذى  كان واضحًا منذ بداية البرنامج لما قال إن الحلقة مخصصة للحديث عنها –أى عن الصحوة- إنما تحدث عن إيجابياتها، ثم تحدث عما ادعاه سلبيات. وأبناء الصحوة والدعاة الفاهمون يكتشفون -لأول وهلة- كذب القرنى؛ إذ كل ما ذكره من سلبيات هى أمراض تعالجها الصحوة،  بدءًا من التشدد وانتهاء بالتكفير،  وأما ما ذكر من أن الصحوة  فرضت على الناس الكآبة ومنعتهم من الفرح والمرح؛  فهذا ما يردده -عادة- العلمانيون وكارهو الدين من دون دليل. وبمناسبة الكذب فقد وقع فيه كثيرًا خلال الحلقة؛ كادعائه بأن علماء المملكة كفروا الإخوان، وأن زملاء له تلقوا أموالًا وفللًا من قطر، ناهيك طبعًا عن محاولة إرضاء أسياده بالطعن فى تركيا والإخوان وقطر وإيران وأردوغان والجزيرة- دفعة واحدة.

لقد اختار القرنى لنفسه هذا الطريق، وحسب أن ستكون له العزة والحظوة والمكانة، وخاب وخسر؛ فإن العزة لله ولرسوله وللمؤمنين، وقد رأينا كيف يعامله المذيع بعد أن كان ذا مقام ومكانة، وقد شرع فى عصره وهو منكمش متلجلج  يتصارع فى داخله، لكنه لا يستطيع الاستقامة بعد أن خطا فى طريق الخيبة مسافات، وهو طريق وعر الذاهب فيه لا يرجع، وما يظلم ربك أحدًا. لقد آتاه الله العلم لكنه آثر الخزى،  قال الله تعالى: (وَاتْلُ عَلَيْهِمْ نَبَأَ الَّذِيَ آتَيْنَاهُ آيَاتِنَا فَانسَلَخَ مِنْهَا فَأَتْبَعَهُ الشَّيْطَانُ فَكَانَ مِنَ الْغَاوِينَ وَلَوْ شِئْنَا لَرَفَعْنَاهُ بِهَا وَلَكِنَّهُ أَخْلَدَ إِلَى الأَرْضِ وَاتَّبَعَ هَوَاهُ) [الأعراف: 176]،   ويظل العالم فى سعة، عزيزًا كريمًا محاطًا برحمة الله حتى ينصرف عن دينه ويضيع إخلاصه،  فيخزيه الله ويأتى بغيره (وَإِن تَتَوَلَّوْا يَسْتَبْدِلْ قَوْمًا غَيْرَكُمْ ثُمَّ لا يَكُونُوا أَمْثَالَكُمْ) [محمد: 38].

إرسال تعليق