كأن الشعب الفلسطيني أعلن الحرب على الولايات المتحدة، أو احتل أرضاً أمريكية، وها هي تنتقم منه بسلسلة قرارات منافية لأبسط قواعد القانون الدولي والإنساني، في محاولة منها لاقتلاعه من جذوره، ونسف وجوده، وتصفية قضيته.
هذه الدولة العظمى تعرض عضلاتها، وتمارس قوتها ومكانتها السياسية على شعب لاجئ، ومشرد، وضعيف، لا يملك من الدنيا إلا إرادته، وتمسكه بحقه. دولة تحولت من خلال عظمى إلى وكيل أعمال دويلة عنصرية قامت على العدوان والجرائم، والإبادة، والتطهير العرقي، واحتلال الأرض، والتوسع، والاستيطان.
من آخر فصول الحرب الأمريكية المعلنة على الشعب الفلسطيني، هو قرار إدارة الرئيس ترامب إغلاق البعثة الدبلوماسية الفلسطينية في واشنطن، استكمالاً لقرارات جائرة وعدائية سابقة، تمثلت في الاعتراف بمدينة القدس عاصمة لدويلة «إسرائيل»، ثم نقل السفارة الأمريكية من «تل أبيب» إلى المدينة، وإعلان ترامب لاحقاً إخراج مستقبل القدس من المفاوضات بعد أن قام «بتطويبها» للاحتلال، كأنها كانت ملكية للولايات المتحدة وتنازل عنها، وأيضاً الانسحاب من منظمة «اليونيسكو»، بزعم أنها معادية ل»إسرائيل»، وكذلك وقف تمويل وكالة غوث اللاجئين (الأونروا)، وإعلان عدم دعم السلطة الفلسطينية، وتجميد دعم المستشفيات التي تساعد الفلسطينيين في مدينة القدس.
البيان الأمريكي بإغلاق البعثة الدبلوماسية الفلسطينية وصف «إسرائيل» بأنها «صديق وحليف»، وهذا إعلان صريح بدعم دويلة العدوان، والاحتلال، والعنصرية، وهو بمثابة دعوة صريحة كي تواصل عدوانها وسياساتها الدموية، والتهجيرية، والعنصرية، وتحدي العالم، والشرعية الدولية.
مؤسف أن تكون هذه الدولة العظمى التي تتشدق بالديمقراطية، وتقدم الدروس والمواعظ حول حقوق الإنسان هي الدولة التي تنتهك كل هذه القيم، ومعها قرارات الشرعية الدولية الممثلة بالأمم المتحدة المقامة على أرضها.. ومؤسف أن تقف هذه الدولة الكبرى إلى جانب آخر دويلة عنصرية، وآخر احتلال في التاريخ الحديث، لأنها بذلك تؤكد على أنها مجرد خادم مطيع لدولة مارقة، ولنظام عنصري عدواني، وهذا لا يليق بدولة مثلها، ولا بسمعتها، ولا بشعبها، ولأنها تفقد احترام العالم لها.. لأنه من المعيب أن تكون مجرد «ولد شغّال» عند نتنياهو.
ربما تعتقد الولايات المتحدة أن هذه الحرب على الشعب الفلسطيني سوف تجبره على الرضوخ والاستسلام للإرادة الأمريكية – «الإسرائيلية»، والقبول بالفتات المعروض عليه في «صفقة القرن»، وأنه تحت الضغط الاقتصادي، والمعيشي، والسياسي، سوف يرفع الراية البيضاء. لكن يبدو أن هذه الادارة لم تقرأ تاريخ هذا الشعب، ولم تعرف سر صموده، وتضحياته، ومجابهته لكل المؤامرات التي تعرض لها منذ أكثر من سبعين عاماً، وما زال على العهد وفياً لأرضه، وحقه، ومقدساته.
مأساة الولايات المتحدة أنها مبتلاة بقيادات تعمي القوة الباطشة أبصارها، ولا تتعلم من تجارب الهزائم التي منيت بها في كل حروبها الحديثة لأن اللوبي اليهودي هو الذي يهيمن الآن عليها بالكامل بل بات يقودها.
“الخليج”
إرسال تعليق
إرسال تعليق