0

 
  بقلمحيدر الشاهين 

شكّل إطلاق خدمات الجيل الرابع في العراق إيذاناً بعصر جديد لتطور البلاد ونهضتها، فمنذ ذلك الحين، أصبح التوسع السريع في الخدمات الرقمية عنصراً حيوياً لمسيرة البلاد التنموية، وسمة مبشرة لحاضرها، إذ أتاحت مزايا السرعة والكفاءة في تقنيات الجيل الرابع فرصاً مواتية لمختلف المؤسسات العراقية لتحسين أعمالها وإطلاق خدمات جديدة، وبالتالي تعزيز حضورها الرقمي دولياًوبينما يواصل مشغلو خدمات الاتصالات في العراق سعيهم لتطوير شبكات اتصالات أكثر تقدماً واعتمادية لمستقبل مختلف القطاعات والصناعات وتطور المجتمعات، تقع على عاتقهم مسؤولية أن يكونوا على دراية تامية بمستجدات الحقائق المرتبطة بمستقبل القطاع والإلمام بخلاصة تجارب الآخرين لكي لا تتعرقل جهودهم ومسيرة نجاحاتهموفي هذا الإطار، سيكون لأية محاولة للبعد عن نهج التعاون البناء والشراكات مع الرواد التي دعمت التقدم الملحوظ المحرز في قطاع تقنية المعلومات والاتصالات في العراق انعكاسات سلبيةوهنا يتوجب تسليط الضوء على تحالف دولي تقوده بعض شركات التقنية ويقصد به إنشاء "بروتوكولجديد لطريقة التعامل مع بناء شبكات الاتصالات وتوفير معداتهاتحالف شبكات الوصول اللاسلكي المفتوحة (أوران ORAN) يدعو لإنشاء شبكات وصول لاسلكية بمعدات يمكن توريدها من جهات مختلفة (أكثر من موردوتركيبها عبر لوحة موحدة وتشغيلها بواسطة برمجيات مفتوحة المصدروهم بذلك، على حد زعمهم، يطلقون العنان للمنافسة عبر قطاع "شبكات الوصول اللاسلكية"ويحفزون الابتكار وتقديم قيمة أفضل للمشغلينوفق المبادرة، تم إطلاق شبكات الوصول اللاسلكي المفتوحة (أوبن رانبهدف طموح يتمثل بتحقيق وفورات في التكاليف وتعزيز تنافسية السوق بالاعتماد على تقنيات مفتوحة المصدرلكن يبدو أنه تم في السنوات الأخيرة "اختطافالمبادرة من خلال تدخل تقوده الولايات المتحدة الأمريكية يهدف للتحول بسوق الاتصالات لمنحنى جديد يخدم مصالحها التجاريةوبادر قانون الابتكار والمنافسة الأمريكي لعام 2021 بتقديم تمويل طارئ بقيمة 1.5 مليار دولار لتطوير نظام إيكولوجي عالمي لشبكات الوصول اللاسلكي المفتوحة (أوبن ران). بإجراء نظرة معمقة على فكرة التحالف وشبكات الوصول اللاسلكي المفتوحة (أوبن ران)، يؤكد خبراء القطاع بأن هذا البروتوكول الجديد المقترح للشبكات ما هو إلا إحدى محاولات الولايات المتحدة الأمريكية لإعادة ترسيخ مكانتها في مجال التقنيات اللاسلكية، لا سيما بعدما فقدت قدرتها التنافسية في مجال ريادة البحث والتطوير وتصنيع المحطات الأساسية منذ فترة طويلة بناء على افتقارها لقدرات تصنيع منخفضة التكلفةلذا، تتطلع الولايات المتحدة الأمريكية للاستفادة من تسخير تفوقها في مجال الرقائق (أشباه الموصلاتوبرمجيات تقنية المعلومات لتسترد هيمنتها على قطاع الاتصالات المتنقلةشبكات الوصول اللاسلكي المفتوحة (أوبن رانليست تقنية حديثة، فقد تم تجريب بروتوكولها القائم على توفير معدات لمحطات البث من مزودين مختلفين لأكثر من عقد دون تحقيق نجاح تجاري يذكرولا تزال منصات هذه الشبكات تواجه نفس المشكلات كاستهلاك الطاقة المرتفع، والتكامل المنخفض، والأداء الرديء، وارتفاع تكلفة تشغيلهافي الولايات المتحدة تحديداً، واجه تطوير شبكات الوصول اللاسلكي المفتوحة (أوبن رانصعوبات منذ البداية، حتى في ظل الدعم التنظيمي والحكومي، فكبار مشغلي خدمات الاتصالات الذي كان يفترض بهم قيادة التوجه بنشر هذه الشبكات عالمياً، سرعان ما أدركوا حجم التحديات التي هم بصددها، وتراجعوا عنهاوأعرب كثير منهم عن مخاوف بشأن نقص الحياد التقني ونجاعة هذه الشبكات من بينهم شركة "فيرايزونالتي عارضت دفع الحكومة الأمريكية باتجاه تعميم بروتوكول شبكات الوصول اللاسلكي المفتوحة (أوبن رانوكانت مناصراً قوياً لمفهوم الحياد التقنيوصحيح أن شركة AT&T تعتبر مشغلاً رئيسياً في التحالف الجديد (أورانوبروتكول شبكاتها، لكنها لم تبادر إلى نشر أي معدات مخصصة للبروتوكول للاستخدام التجاريرئيس القطاع التقني في شركة T-Mobile الأمريكية، نيفيل راي، أثار عاصفة من الشكوك حول نضج أنظمة شبكات الوصول اللاسلكي المفتوحة (أوبن رانوقدرتها على تحقيق وفورات في التكاليف كما هو متوقع، لاسيما وأن "التساؤلات الرئيسية حول تكامل النظام وآفاق البحث والتطوير لم تتم الإجابة عليها بعد". ورغم قيام عدد قليل من مشغلي خدمات الاتصالات في الولايات المتحدة بطرح شبكات الوصول اللاسلكي المفتوحة (أوبن ران)، إلا أنهم باتوا يدركون اليوم ما اقترفوه من خطأ فادحفقد عملت شركة "سيلكوم"، التي أنشأت واحدة من أولى شبكات الوصول اللاسلكي المفتوحة الأمريكية على تفكيك الشبكة في ولاية ويسكونسن بسبب الصعوبات التي تواجهها على صعيد الوصول إلى المعداتوبرغم حصول الشركة على البرنامج المطلوب، إلا أنها فشلت في الحصول على أجهزة اتصالات لاسلكية متوافقة بسبب متطلبات الحد الأدنى لحجم المشتريات التي يفرضها البائعونوتماماً هو الحال مع العديد من شركات الاتصالات الأصغر حجماً، اعترفت شركة "سيلكومبافتقارها للقوة الشرائية التي يتمتع بها كبار المشغلين. "باراليل ويرليسإحدى الشركات الأمريكية الداعمة لمبادرة شبكات الوصول اللاسلكي المفتوحة (أوبن رانرفعت شعار تشييد أول وأكبر نظام إيكولوجي لهذه الشبكات في العالم لتحقيق وفورات كبيرة في التكاليف للمستخدمين النهائيين والقطاعات، وسرّحت في أواخر يونيو الماضي أكثر من نصف موظفيها وخلصت إلى أن تحقيق قصة نجاح في ظل تبني نظام الشبكات الوصول اللاسلكي المفتوحة (أوبن رانسيكون صعباًيبدو أن حكومة الولايات المتحدة الأمريكية تفضل قيام عمالقة تقنية المعلومات مثل "سيسكوو"أوراكلوغيرها من الشركات الأمريكية بتصنيع معدات الشبكات القائمة أساساً على رقائق وتقنيات أمريكية، الأمر الذي سيحد بشكل كبير من التنافسية ويحيّد العديد من الشركات العالمية (تحديداً الصينيةالتي كان لتقنياتها دور بارز في تحويل قطاع الاتصالات إلى واحد من الصناعات الأكثر ابتكاراً في العالمالدفع بشركات الاتصالات نحو اتجاه لا يتوافق مع خبراتهم التي اكتسبوها حتى اليوم يمكن اعتباره وصفة مثالية للفشل باعتبار معظم شركات الاتصالات الكبيرة والصغيرة تتبنى حتى اليوم النهج الناجح لبناء الشبكة وتطويرها بالاعتماد على مورد موثوق يضمن خفض التكاليف وجودة التشغيل وأمانه، وليس عدة موردين يتشاركون توفير المعدات لمنصة شبكة واحدةوعن ذلك يقول تومي أويتو، رئيس شبكات الهاتف المحمول لدى "نوكيا": "أدرك قطاع الاتصالات ومنذ البداية أن تطبيق بروتوكول شبكات الوصول اللاسلكي المفتوحة (أوبن رانسيؤدي إلى رفع تكاليف المنتجات، فقد أثبت محدودية كفاءته لاسيما في النطاق الأساسي". وبعيداً عن القيود والمشاكل التي تتضمنها برتوكولات شبكات الوصول اللاسلكي المفتوحة (أوبن ران)، المشكلة الأبرز في هذا النظام يتمثل في العيوب الأمنية الكامنة في التصميموقد أصدرت شركة "ستراند كونسلتالاستشارية المستقلة المتخصصة بقطاع الاتصالات مؤخراً تقريراً يقدم شرحاً وافياً حول أمن شبكات الوصول اللاسلكي المفتوحة (أوبن ران)، خلص إلى أنه وبينما روجت حكومات الولايات المتحدة الأمريكية والمملكة المتحدة والهند واليابان إلى تطبيق نظام هذه الشبكات، لم تقم هذه الحكومات بنشر أي دراسات أمنية رسمية موثوقة حول ذلك، وأن أمن الشبكات موضوع لا يُمكن إهماله في مثل هذا القطاع الحيويوخلصت الدراسة أيضاً إلى أن هذه الشبكات ليس بمقدورها توفير مزايا أمان جديدةوأشار التقرير إلى أن شبكات الوصول اللاسلكي المفتوحة (أوبن رانتوسع نطاق التهديدات بسبب زيادة عدد الموردين والمكونات والواجهات التي تنضوي عليهاوتوصلت دراسة تحليلية للأمن السيبراني أجرتها مؤخراً المفوضية الأوروبية ووكالة الاتحاد الأوروبي للأمن السيبراني إلى نفس النتيجة، حيث أشارت إلى أن الأمن السيبراني لا يزال يمثل تحدٍ كبيراً أمام نشر شبكات الوصول اللاسلكي المفتوحة (أوبن ران). وقالت مارجريت فيستاجر، مفوضة شؤون التنافسية لدى الاتحاد الأوروبي، أن هذا التقرير يسلط الضوء على مجموعة من التحديات الأمنية المهمة، لاسيما على المدى القصيروأضافت: "من المهم بالنسبة لجميع المشاركين تكريس الوقت والاهتمام الكافيين للتخفيف من حدة مثل هذه التحديات بحيث يمكن التحقق من الإمكانات المزعومة لشبكات الوصول اللاسلكي المفتوحة". كارستن نول، خبير التشفير والقرصنة الشهير في "سيكيورتي ريسيرتش لابزالمعروفة باسم "ريد تيمينجوالتي تكرس جهودها لمساعدة شركات تقنية المعلومات والاتصالات على اكتشاف نقاط الضعف في شبكاتها، قدم عرضاً حلل فيه المخاطر الأمنية لنظام شبكات الوصول اللاسلكي المفتوحة (أوبن ران)، لفت فيه النظر إلى أن تطبيق بروتوكول هذه الشبكات جعل اختراق شبكات الجيل الخامس أمراً "أكثر إثارة للاهتمام". وحاكى برفقة فريقه عملية هجوم على شبكة وصول لاسلكي مفتوحة (أوبن رانوكشف عن سيناريوهات محتملة للحصول على معلومات كاملة عن المستخدمينأمان شبكات الاتصالات أمر هام لا يمكن تركه للصدفةوللتصدي لهذا التحدي، لا بد من عمل الشبكات وفق معايير وأطر موثوقة ومعترف بها دولياً، بعيداً عن مبادرات وبرامج لم يتم دراسة جدواها على أرض الواقع بشكل كاف، وقد لا تتوافق فعلياً مع المعايير الدولية التي ساهمت بدفع عجلة النجاح في قطاع الشبكات حتى يومنا الحاليوفي هذا الإطار، أعلن المكتب الفيدرالي الألماني لأمن المعلومات مؤخراً عن برنامج اعتماد جديد لمكونات شبكات اتصالات الجيل الخامس يستند إلى برنامج شهادة الأمن السيبراني NESAS من "الجمعية الدولية لشبكات الهاتف المحمول" (جي اس ام ايه). وقد شجع المكتب الشركات المصنّعة لمكونات شبكات الجيل الخامس على فحص خصائص أمان تقنية المعلومات لمنتجات الجيل الخامس الخاصة بهم بشكل مستقل، وبالتالي الامتثال لالتزام مصادقة المكونات الرئيسية في شبكات الجيل الخامسضمان مستقبل العراق الرقمي مسؤولية تقع على عاتق مشغلي شبكات الاتصالات وهيئاتها التنظيمية في العراق، يمكن ضمانها باعتماد سياسات ومبادرات وبرامج مثبتة الجدارة، والالتزام بالحياد التقني وبناء جسور شراكات متينة مع رواد التقنية في العالم، والحرص على الاستفادة من التجارب الدولية المتقدمة، واعتماد اختيار التقنيات والتحالفات الأكثر جدارة من حيث الموثوقية وجدارة الأداء وكفاءة التشغيل واختزال التكاليف، والمنفعة الحقيقية التي ستحقق للشعب العراقي أولاً.

إرسال تعليق