ترجمة : منى دماك قاسم
واجهت أعمال قليلة من شهرة خاصة مثل رواية "الحرب والسلام" لليو تولستوي. من الطريف أنه بعد اصدار الرواية مباشرة ، تقبل جزء من المجتمع رواية تولستوي بصورة سلبية. لقد القى العديد من المشاركين المباشرين في حرب عام 1812 اللوم على تولستوي، وكان الكثير منهم لا يزالون على قيد الحياة في ذلك الوقت. لقد اعدوا هذه الرواية بمثابة تشهير بالجيش الروسي. كما انها لم تمثل "الحلف الراسخ" المكون من المجتمع وأفراد الطبقة الأكثر امتيازًا في روسيا، النبلاء، في أفضل صورة أيضًا.
وللمرة الاولى، يتحدث المؤرخون والشخصيات العسكرية عن الأصالة التاريخية للرواية الملحمية. لذلك فقد ادلى جندي يدعى أفرام سيرجيفيتش نوروف في تصريح للمجلة الرصينة(المجموعة العسكرية) في عام ١٨٦٨وكان من أوائل المحاربين القدامى ووزير للتعليم عام ١٨٥٨ ان كل محاولات تولستوي لإعطاء أوصاف للعمليات العسكرية، والتحدث عن الاستراتيجية، ووصف تنظيم الجيوش للقتال، وحتى رسم الخطط ، كانت تضليلًا للقراء ليس إلا، بحسب رأيه. وقال انه وجد عددًا من المغالطات في وصف العمليات العسكرية. ولكن الأهم من ذلك كله ، أنه لام تولستوي على حقيقة أنه لم يقم بإدخال المشاهد العسكرية في الرواية فحسب وانما جسد "مناقشاتها الاستراتيجية، مصورًا تنظيم الجيوش للقتال العسكري، وحتى خطط المعركة، وإنه أصبغ كل شيء بطابع تاريخي".
وتجدر الإشارة أيضًا إلى انتقاد ألكسندر ميخائيلوفسكي دانيلفسكي لتولستوي، والذي كان في ذلك الوقت ضابط لكوتوزوف ،بالقرب من بورودينو . لم يستطع ليف نيكولايفيتش مسامحة تولستوي لعدم احترامه التخطيط العسكري وفي الوقت نفسه استخفافه بالرتب والأيديولوجية الملكية الرسمية. فقد أظهر تولستوي أن الجيش الروسي في رواية "الحرب والسلام" محكوم عليه بالهزيمة مقدمًا. كان المحارب القديم منزعجًا بشكل خاص من اللمسات التي تبدو غير مهمة مثل الارتباك في الزي الرسمي أو تفاصيل الزي الرسمي والأسلحة. ففي سبيل المثال ، في إشارة إلى معركة بالقرب من أوستروفنو، يصف تولستوي الفرسان الروس: بـ"الفرسان ذوي الزي البرتقالي على جياد حمر" ويظهر الفرسان الفرنسيون الذين يقاتلون ضدهم: بـ"الزي الازرق على جياد رمادية". الا ان هذه التفاصيل لم تكن مطابقة للواقع حيث لم يكن الفرسان الروس يرتدون الزي البرتقالي ولا حتى الفرسان الفرنسيون يرتدون الزي الازرق وزد على ذلك، لم يشارك اي فوج من الفرسان الروسي في معركة أوستروفنو ، وكذلك فرسان بافلوجراد ، التي خدم فيها نيكولاي روستوف.
كان الأمير بيوتر أندريفيتش فيازيمسكي من بين أشهر نقاد هذه الرواية. فقد كان كاتبًا وشاعرًا وناقدًا أدبيًا ورجل دولة ومؤسس الجمعية التاريخية الروسية. انضم في شبابه إلى الحشد الشعبي وكان مشاركًا فعليًا في حرب عام 1812. حصل على وسام القديس فلاديمير من الدرجة الرابعة. بالنسبة لمعركة بورودينو ، فقد كتب فيازيمسكي "مذكرات عام 1812" التي كانت موضع تقدير كبير لدى المعاصرين لدقة المؤلف وموهبته الأدبية. انتقد فيازيمسكي تولستوي في المقام الأول لوصفه غير الدقيق والموثوق للأحداث بصورة عامة وتفصيلية. اتهم فيازيمسكي تولستوي بتشويه صورة الإمبراطور ألكساندر، حيث اختلق تولستوي مشهدًا كاملًا في الرواية حول إلقاء الإمبراطور البسكويت على حشد من الناس. لم يوفق ليف نيكولايفيتش في ذلك وأشار إلى حقيقة أن ذلك كان مشهدًا مشابهًا لوصفه الكاتب والمؤرخ سيرجي جلينك بأنه المحارب الأول للحشد الشعبي في موسكو". وأن جلينك شارك فعليًا في هذا الحدث. ولكن بعد الاطلاع على الملاحظات كان من السهل ملاحظة أنه لا يوجد شيء من هذا القبيل هناك.
جمعت الكثير من الكتب عن هذه الأخطاء في رواية الحرب والسلام. حيث تبدو الكثير من الأشياء غير مهمة للقارئ الحديث ، لكن في ذلك الوقت كانت لدى الضباط ، وخاصة أولئك الذين حاربوا ضد نابليون آراء مختلفة. أما بالنسبة لحجج تولستوي حول مسار حرب عام 1812 بالمجمل ومعركة بورودينو، فلم يكن من الممكن أن يدركها المشاركون بأي شكل من الأشكال. ففي رأيهم تدين روسيا بانتصارها في الحرب على وجه التحديد لأفكار القادة الموهوبين، وسرعة وشجاعة المنفذين من رتبة جندي إلى جنرال. وبالطبع، لا يمكن قبول فكرة تولستوي بأي شكل من الأشكال بشأن عدم الفائدة التامة لأي من الخطط، وأن قدرات قادة الجيش لم تؤدي دورًا، وإن كل شيء مرتبط بالتلاقي العرضي للأحداث، وبطولة الأشخاص الصغار.
المصدر:otari.mirtesen.ru
إرسال تعليق
إرسال تعليق