الكاتب/ اسعد عبدالله عبدعلي
كل التوقعات كانت تشير لصعود العراق لكاس العالم 1990 بسبب امتلاكه جيل خليط من الخبرة والشباب وبحسب النجاحات الكبيرة التي حققها عامي 1987 و 1988 بقيادة تدريبية مستقرة (عمو بابا), خصوصا اننا سنقابل في التصفيات الاولية منتخبات تعودنا على هزيمتها, فقد تم وضع منتخبنا على راس المجموعة الاسيوية الاولى الى جانب منتخبات قطر والاردن وعمان, وقد استبشرت جماهيرنا خيرا بسهولة مرورنا من المجموعة الى الدور الحاسم, عطفا على الاداء المميز الذي قدمه لاعبونا طوال العام الماضي اضافة الى تواضع مستوى المنتخب القطري
المنافس المحتمل الوحيد لمنتخبنا في المجموعة.
حيث تم افتراس الخصم العنيد (المنتخب القطري) في اخر ثلاث مقابلات ( 3-1 و 4-1 عام 1987) و ( 3- صفر في عام 1988), فلا خوف على المنتخب وانه قادم الى روما لا محالة, فقط يحتاج لمباريات ودية واعداد نفسي وبدني جيد, مع وجود خطة عمل ادارية واضحة هدفها الصعود لكاس العالم, لكن حصل ما لم يكن بالحسبان, تزامن الحدث مع جريمة المتهتك عدي والتي جمدت كل شيء.
في يوم 21 – 9 -1988 خسر منتخبنا مباراته الفاصلة امام منتخب ايطاليا بهدفين الى صفر, برسم نهائيات اولمبياد سيؤول 1988, وخرج من البطولة من دور المجموعات, كانت انتكاسة كبيرة حيث كانت الامنيات بتحقيق شيء خصوصا بعد نجاحات المنتخب بالفوز بكاس الخليج ثم كاس العرب, لكن حدث ما لم يكن بالحسبان.
حصلت امور سياسية تخص عائلة صدام وجريمة قتل! ادت الى اخفاء رئيس الاتحاد عدي صدام عن العيون حتى تهدأ العاصفة, واستلم رئاسة الاتحاد كريم الملا, ووسط هذه الاجواء نسي امر المنتخب تماما, حيث لم يفكر احد ان المنتخب العراقي تنتظره تصفيات كاس العالم في شهر كانون الثاني من عام 1989 ولم يبقى الا 70 يوم, فكان يجب اقامت مباريات ودية ومعسكر تدريبي, مع تقييم تجربة الاولمبياد, والمشاورة حول الاستدعاءات.
لكن تم تجاهل المنتخب تماما, حيث كان الاهتمام بمشاركة الاندية في البطولات العربية والاسيوية ومشاركة منتخب الشباب.
· انتكاسات وتغييرات وتخبطات
الاول: انتكاسات: حصلت انتكاستين اثرت عميقا على لاعبي المنتخب.. وهي:
1- في تلك الاشهر التي سبقت التصفيات العالمية, فشل نادي الرشيد في الدفاع عن القابه العربية الثلاثة وخرج بشكل غريب من الدور الاول لبطولة الاندية العربية عام 1988 التي اقيمت في الامارات بعد الخسارة امام نادي متواضع جبلة السوري وكان لهذه الانتكاسة التأثير السلبي الشديد على لاعبي المنتخب الذين يمثلون نادي الرشيد, مع نجاح نسبي لنادي الشباب الذي شارك في نفس البطولة وحقق المركز الثالث فيها.
2- فشل المنتخب العراقي العسكري في التأهل للنهائيات كاس العالم العسكري بعد العودة للبطولة التي فارقناها منذ عام 1981 بسبب الحرب, وبعد ان فرط منتخبنا العسكري بالفوز في بغداد وتعادل 1-1 , والذي كان جل لاعبي منتخبنا الوطني, مع انكشاف اخطاء جسيمة لخط الدفاع وعلامات تعجب على مستوى حسن كمال, ثم تغلب الامارات العسكري ايابا واحد لصفر لتحصل انتكاسة غريبة بسبب المشاركة من دون اعداد وتخطيط.
ثانيا: التخبطات: تمثلت في تغيير شكل الدوري وجعله بطول مناطق وتصفيات ونهائيات, جعل الاندية في حيرة مما يجري, حتى نظام احتساب النقط تغير فالفريق الذي يفوز بالجزاءات يفوز بنقطة واحدة! ومن يفوز بفارق هدف له نقطتان, ومن يفوز بفارق هدفين واكثر له ثلاث نقاط, ولا يوجد تعادل في النظام الغريب للبطولة! الذي هو اختراع عراقي فاشل, فكانت عاصفة هوجاء حلت على البيئة الكروية وليس بطولة دوري.
ثالثا: تفريغ لاعبي منتخب الشباب مع ان اعمارهم كبيرة لكن كان الاهم عند اهل القرار تحقيق انجاز حتى لو جاء بالتزوير, فافتقد منتخب العراق لقوة الشباب, امثال (ليث حسين ونعيم صدام ويونس عبدعلي) حيث افتقد المنتخب لعناصر كانت معه منذ عام 1987 بكل صولاته.
· مباراة ودية يتيمة قبل دخول التصفيات
في نهاية عام 1988 قرر الاتحاد الدولي رفع الحظر عن ملاعب العراق, وكان اول منتخب يصل للاحتفال معنا هو المنتخب الكويتي بكامل نجومه, وتم خلال هذه المباراة تكريم الحارس فتاح نصيف لتكون مباراة اعتزاله اللعب, وهو كان في عز تألقه, وكانت مباراة الكويت الودية المتواضعة هي كل ما كان في مفكرة شيخ المدربين قبل انطلاق التصفيات ! تألفت تشكيلتنا من : (احمد جاسم - كريم علاوي- حسن كمال - عدنان درجال - غانم عريبي - حبيب جعفر - ناطق هاشم - اسماعيل محمد - سعد عبد الحميد - علي حسين-حسين سعيد - احمد راضي - مظفر جبار - احمد دحام - جعفر عمران - باسل كوركيس - سعد قيس - خليل محمد علاوي - سهيل صابر.
مع غياب لاعبي منتخب الشباب الذي كان يستعد لنهائيات كاس العالم للشباب!
وخسر العراق امام الكويتيين بهدفين لصفر, وقد كشفت المباراة عن تراجع مستوى المنتخب وبطئ تحركه نتيجة العودة لكبار السن, واختفاء العنصر الشبابي خصوصا في وسط الملعب.
كان يجب عقد اجتماع مع الكادر التدريبي وتدارس اسباب انخفاض المستوى وترهل الخط الدفاعي, مع البحث عن حلول حقيقية قبل حصول المصيبة, لكن لم يتم شيء واعتبروها مباراة اعدادية ليست مكانا للتقييم.
المباراة الاولى: العراق - عمان 1-1
في يوم 6-1-1989 : افتتح منتخبنا مباريات مجموعته بملاقاة المنتخب العماني في مسقط, وتألفت التشكيلة التي اختارها عمو بابا من احمد جاسم لحراسة المرمى, عدنان درجال وحسن كمال .وغانم عريبي وكريم علاوي للدفاع, ناطق هاشم واسماعيل محمد في الوسط مع علي حسين وحبيب جعفر على الجانبين, فيما تواجد حسين سعيد الكابتن مع احمد راضي في الهجوم, في هذه المباراة تأكد وبشكل قاطع ارتفاع مستوى العمانيين لتثبت ان تعادلها معنا في خليجي 9 لم يكن وليد الصدفة, فرغم افتتاح منتخبنا للتسجيل عن طريق اسماعيل محمد في الدقيقة 18 .. الا ان العمانيين ادركوا التعادل قبل انقضاء الحصة الاولى .. وعبثا حاول منتخبنا ان يغير من النتيجة في الشوط الثاني لتاتي صافرة النهاية مانحة نقطة واحدة لكل فريق.
المباراة الثانية: العراق - الاردن 1-0
في يوم 13-1-1989: خاض منتخبنا مباراته الثانية بنفس التشكيلة, والتي كان طرفها الثاني المنتخب الاردني الذي صمد طويلا على ارضه وبين جماهيره, قبل ان يبتسم الحظ لمنتخبنا بالقذيفة التي اطلقها المدافع الايسر غانم عريبي من مسافة تجاوزت ثلاثين ياردة .. لتستقر في شباك الحارس ميلاد عباسي, ويحصد منتخبنا اول فوز له رافعا رصيده الى ثلاث نقاط ..
المباراة الثالثة: العراق – قطر صفر-1
في يوم 20-1-1989: كان منتخبنا في ضيافة الفريق القطري في الدوحة, وقد اشرك المدرب المدافع الشاب مظفر جبار في جهة اليمين, ليدفع بكريم علاوي مع الوسط بديلا لحبيب جعفر المصاب والغائب الابرز عن المباراة, كما اشرك المدرب اللاعب الشاب احمد دحام مع الوسط الذي غاب عنه اسماعيل محمد! تلك التغييرات لم تسعف منتخبنا بما فيه الكفاية, ليتلقى هزيمته الاولى في التصفيات وبهدف واحد مقابل لا شيء, بعد ان شهدت المباراة وكالعادة لبسا تحكيميا وهدفا عراقيا ملغى, في سيناريو متكرر عن التصفيات السابقة, وبهذه النتيجة تنتهي منافسات جولة الذهاب للتصفيات.
· خطيئة اقالة الكادر التدريبي
بعد الخسارة امام قطر في الدوحة قرر الاتحاد العراقي اقالة عمو بابا بشكل متعجل ومن دون فهم لمخاطر هكذا خطوة, خصوصا اننا في منتصف التصفيات ولا يوجد وقت, فالمباريات تقام كل اسبوع من دون فاصل زمني كبير, وعمو بابا معروف بحنكته وكان من الممكن الابقاء عليه حيث كان احتمال كبير جدا ان يهزم القطريين في بغداد لما يملكه من خبرات متراكمة.
وحتى تسمية البديل كان خاطئة فجمال صالح فشل مع الطلبة ولم يحقق شيء كبير كيف يتم تسميته ولا يملك خبرة دولية, بالمقابل كيف تناسى اهل القرار تواجد انور جسام المدرب الذي لا يخسر, حيث كان الافضل تسميته بشكل مؤقت حتى انتهاء التصفيات مع اعادة اللاعبين الشباب للمنتخب امثال ليث ويونس وشنيشل والاخرون.
لكن استمر تخبط الاتحاد العراقي لتحصل الفجعة ونخسر بطاقة الصعود التي كانت مؤكدة للعراق.
المباراة الرابعة: العراق – عمان 3-1
في يوم 27-1-1989: من بغداد وتحت قيادة الدكتور جمال صالح دخل منتخبنا الجولة الثانية للتصفيات وكله امل في تصدرها وبلوغ الدور الثاني والحاسم, وكان الفريق العماني اول الوافدين الى بغداد, وقد شهدت المباراة عودة اسماعيل محمد للتواجد مع لاعبي الوسط, فيما اشترك خليل محمد علاوي مع الدفاع بدل مظفر جبار, وبقي التشكيل كما هو فيما عدى ذلك, في هذه المباراة ابدى منتخبنا اصرارا على التعويض والفوز وهذا ما تحقق فعلا بفضل الاهداف الثلاثة التي احرزها احمد راضي واسماعيل محمد وناطق هاشم .. ولم يتمكن المنتخب العماني الا من تسجيل هدف واحد, ليحصل منتخبنا على نقطتين مهمتين.
وفي مباراة قطر والاردن افسدها الحكم الهندي الذي منح القطريين وقت اضافي طويل حتى حققوا التعادل مما منح الصدارة للقطريين بفارق نقطة عن العراق, وهكذا بات على منتخبنا ان يفوز في المباراتين الاخيرتين في بغداد للتأهل !
المباراة الخامسة: العراق- الاردن 4-صفر
في يوم 3-2-1989: في هذه المباراة, لعب منتخبنا بغياب الكابتن حسين سعيد الذي حل محله المهاجم الشاب احمد دحام, ولم يتغير عدا ذلك شيء في التشكيلة, في ذلك اليوم اكد الهداف الذهبي احمد راضي انه يبقى عملة نادرة بين الهدافين, عندما نجح في تسجيل اول سوبر هاترك (رباعية) له مع المنتخب, تلقتها الشباك الاردني, بداها في الدقيقة 26 بقذيفة اطلقها اسماعيل محمد ردها الحارس الاردني لتجد احمد راضي وهو يتابعها الى المرمى محرزا الهدف الاول, وقبل ان ينجلي الشوط الاول اضاف احمد هدفه الثاني اثر انفراده بالحارس الاردني ليلعبها الى الزاوية العليا اليسرى للحارس ميلاد عباسي, وفي الشوط الثاني تكرر سيناريو الهدف الاول عندما صد عباسي كرة اسماعيل محمد ليتابعها احمد الى الشباك مسجلا هدفه الشخصي الثالث, ولم يشأ احمد ان تمر المباراة قبل ان يترك بصمة اخيرة وفريدة فيها, وذلك عندما حصل منتخبنا على ركلة حرة مباشرة لينفذها بمنتهى الروعة مضيفا رابع واخر اهداف المباراة, وبهذا الفوز اصبح رصيد منتخبنا 7 نقاط بفارق نقطة خلف القطريين.
المباراة الاخيرة: العراق – قطر 2-2
في يوم 10-2-1989: كانت جماهيرنا على موعد مع لقاء الحسم في المجموعة, حيث توجب على منتخبنا الفوز على قطر, اذا كان يريد مواصلة مشوار التصفيات في هذه المباراة عاد حسين سعيد للمشاركة وحمل شارة القيادة, وانطلقت المباراة بصافرة الحكم الياباني, بدا منتخبنا المباراة محاولا ادراك الفوز بسرعة, بل وبأسرع من اللازم, ليقابل القطريون ذلك بهجمات مرتدة وسريعة, اسفرت احداها عن خطا ارتكبه دفاعنا بفعل ارضية الملعب الموحلة بسبب الامطار, ليودعها اللاعب القطري في شباك احمد جاسم لتتقدم قطر بهدف على عكس مجريات المباراة.
لتصعب المهمة على لاعبينا الذي صار عليهم ان يسجلوا هدفين بدل واحد, وقبل ان يخلد الفريقان للراحة, ادرك احمد راضي التعادل بهدف جاء اثر ضربة راس, لينتهي شوط المباراة الاول هكذا 1-1 .
في الشوط الثاني واصل منتخبنا مساعيه للحصول على الهدف الثاني وضمان التأهل, فيما استسلم القطريون للأمر الواقع واكتفوا بتأخير الوقت, وعند الدقيقة 32 من الشوط الثاني نجح الكابتن حسين سعيد في رسم الابتسامة على وجوه الالاف التي حضرت الى ملعب الشعب, عندما تابع الكرة المرتدة من الحارس القطري والتي هياها احمد راضي ليودعها حسين الشباك مسجلا هدف العراق الثاني الغالي.
وبالعودة الى اجواء المباراة, فقد بان التعب النفسي على لاعبينا بعد الهدف لتبدا التشنجات من قبل اللاعبين والمدافعين خصوصا درجال الذي كان كثير الصراخ, ليتمكن القطريون وبعد عشر دقائق من هدفنا, من ادارك التعادل عبر عادل خميس الذي استغل تباطئ الدفاع في ابعاد الكرة ودخل بين كريم علاوي ودرجال وحسن كمال من دون اي جهد لأبعاده ليرسل كرته الضئيلة والتي لم يتمكن الحارس المتقدم احمد جاسم من السيطرة عليها بسبب المطر وتبلل الكرة لتتهادى في الشباك وسط حسرات الجماهير لضياع الحلم قبل (3) دقائق فقط من صافرة النهاية.
وبانتهاء المباراة انتهت المسيرة الدولية لجيل كامل من اللاعبين, حيث لم يرتد القميص الدولي بعد المباراة خليل محمد علاوي وعلي حسين وحسن كمال وغانم عريبي وباسل كوركيس.
إرسال تعليق
إرسال تعليق