بهاء النجار
اعترض عدد كبير من النواب على سعر صرف الدولار في الموازنة واعتبروه مجحفاً بحق المواطن ، وطالبوا بتخفيض السعر (في الموازنة وليس في الواقع) من 1460 دينار للدولار الواحد الى 1200 دينار للدولار الواحد كما كان في السابق .
وهنا نريد أن ندرس مدى واقعية هذه المطالب ورفعها للحيف عن المواطن ، فكلنا نعلم أن موزانة جمهورية العراق تعتمد بشكل كبير على النفط ، لذا سنناقش هذا الجزء الذي يعتمد على النفط دون غيره ، إذ أن واردات النفط ستموّل الموزانة بإيرادات مالية تعتمد على ثلاثة ركائز وهي :
1) كمية النفط المصدرة (المتوقعة).
2) معدل سعر برميل النفط (بالدولار) .
3) سعر الدولار مقابل الدينار العراقي .
وبذلك ستكون الإيرادات المالية (بالدينار العراقي) نتيجة تصدير النفط = كمية النفط المصدرة × معدل سعر برميل النفط × سعر الدولار مقابل الدينار العراقي
وعلينا في البداية التفريق بين (الواقع) و (المتوقع) في كل ركيزة من هذه الركائز ، فكمية النفط المصدرة المتوقعة هي الكمية التي تُحسَب على أساسها الموزانة ، أما كمية النفط المصدرة في الواقع فهي ما يصدره العراق فعلاً من نفط خلال السنة المالية ، وسعر برميل النفط المتوقع هو معدل ما تتوقعه وزارة النفط وفق أسواق النفط العالمية ، أما سعر برميل النفط الواقعي فهو الذي يتم فيه بيع النفط فعلاً خلال السنة المالية ، أما سعر الدولار فيعتمد على ما يقرّه البنك المركزي .
وكلما كانت القيمة المتوقعة أكبر من الواقع كلما زاد ذلك في عجز الموازنة ، والعكس بالعكس ، إذ من المفروض أن يقوم خبراء الموزانة بوضع قيم متوقعة أقل من الواقع قدر الإمكان كي يساعد في تقليل العجز ويكونوا في منطقة الأمان Safe Side ، فمثلاً لو توقع خبراء وزراة النفط أن كمية النفط المصدرة بمعدل يومي مقداره 4 ملايين برميل ( أي 1.460 مليار برميل سنوياً ) وكان الواقع هو 4.2 مليون برميل يومياً ( 1.533 مليار برميل سنوياً ) فهذا يعني أن الميزانية ستزداد بمقدار قيمة الفرق في كمية النفط المصدرة وهو ( 73 مليون برميل ) ، بينما لو حصل العكس وكان الواقع 3.8 مليون برميل يومياً ( 1.387 مليار برميل سنوياً ) فستقل الميزانية بمقدار قيمة الفرق في كمية النفط المصدرة وهو ( 73 مليون برميل ) .
وكذلك الأمر بالنسبة لسعر برميل النفط ، فلو كان المتوقع هو 42 دولار للبرميل وكان الواقع هو 50 دولار فستزداد الميزانية بمقدار قيمة الفرق في سعر برميل النفط الواحد ، أي كل برميل نفط مُصدَّر سيعزز الميزانية بثمانية دولارات ، وكذلك الأمر لو كان بالعكس .
وهذا الأمر ينطبق تماماً على سعر الدولار مقابل الدينار ، فالمتوقع أن يكون هذا السعر هو السعر الذي قرره البنك المركزي وهو 1460 دينار للدولار الواحد ، وبالتالي إذا قللنا سعر الصرف - كما يطالب بعض النواب - في الموازنة وجعلناه 1200 دينار للدولار فهذا يعني أننا قللنا من الإيرادات المالية للنفط بمقدار 260 دينار لكل دولار تم بيعه من النفط .
ولتوضيح أكثر ، لنفترض أن كمية النفط التي ستُصدَّر سنوياً هي (1.460 مليار برميل) وأن معدل سعر بيع البرميل الواحد هو 50 دولار ، فستكون الإيرادات المالية هي 73 مليار دولار ، فإذا اعتبرنا سعر الصرف هو 1200 دينار للدولار فستكون قيمة الموازنة 87.6 ترليون دينار ، فإذا كانت النفقات التشغيلية والاستثمارية ثابتة ولتكن 130 ترليون دينار فسيكون العجز 42.4 ترليون دينار ، أما إذا اعتبرنا سعر الصرف هو 1460 دينار للدولار فستكون قيمة الموازنة 106.6 ترليون دينار بعجز مقداره 23.4 ترليون دينار .
إن المطالبين بتخفيض سعر الدولار في الموازنة يبتغون من وراء مطالبتهم تخفيف العبئ على المواطن ، باعتبار أن القدرة الشرائية للمواطن تعتمد بشكل كبير على الدولار وليس على الدينار ، ومن غير الممكن صرف النفقات بالدولار وإلغاء دور سعر الصرف في الموازنة لأن هذا يخلّ بسيادة الدولة أكيداً وهو مرفوض من قبل الجميع ، لذا عليهم تخفيض النفقات ( بحسب المثال أعلاه بحدود 110 ترليون دينار بفارق 20 ترليون دينار تقريباً ) بحيث يبقى مقدار العجز ثابتاً ، وإلا فزيادة العجز ستنعكس سلباً مرة أخرى على المواطن ، ولكن سلبية هذا الحل هو أن تقليل النفقات يعني تقشفاً بشكل من الأشكال وسيؤثر بصورة مباشرة وغير مباشرة على المواطن ، إضافة الى أن هذا التقشف سيقابله ارتفاعٌ بالأسعار بسبب سعر الدولار الذي حدده البنك المركزي ، 1460 دينار للدولار ، فما عليهم سوى أن يضغطوا بطريقة أو أخرى على البنك المركزي لتخفيض سعر الدولار مقابل الدينار الى 1200 دينار للدولار او الى سعر متوسط بين السعرين ( مثلاً 1300 دينار للدولار ) .
https://www.facebook.com/BahaaaAlnajjar/
إرسال تعليق
إرسال تعليق