الكاتب/ اسعد عبدالله عبدعلي
ارسل لي صديق عاشق للأدب رواية (وحدها شجرة الرمان) للروائي العراقي سنان انطوان لأقراها, فهو يعرف مدى ولعي بالرواية العراقية, الحقيقة العنوان كان غريبا ومحزنا هكذا اوحى لي قبل الشروع بالقراءة, وبعد اتمام قراءتها يمكنني القول انها من الروايات العراقية المهمة في الفترة ما بعد 2003, صدرت في عام 2010 فكانت رحلتي مع 255 صفحة, مختلطة ما بين الدهشة والاعجاب, وهذا لا يلغي وجود بعض المأخذ على الرواية, وبعض الاشارات التي سأفصح عنها في السطور اللاحقة.
وهي رواية بسردية حكائيه بسيطة ذات انعطافات متعددة, فما بين مشاهد الحميمية ومشاهد القتل واقتلاع الرؤوس, مع ظاهرة الكوابيس في الرواية والتي تضل تلاحق بطل الرواية وبشكل متلازم, كقسوة الايام لا تختلف كثيرا عن تلك الكوابيس والتي ايضا لا تتركه.
وهنا اشير الى نقطة اجدها مهمة فمع ان الكاتب مسيحي, لكنه كان ملما بطوس المسلمين في تغسيل الموتى وبدقة تثير الاعجاب وسطوره اوضحت هذا الجانب, وعند التوغل داخل اجواء الرواية ستجد عديد المحطات التي تستحق الوقوف عنها وكشف بواطن الجمل, وهنا بعض الاشارات:
· الكابوس العراقي
بداية الرواية شهدت اشارة مهمة حيث ربط الكاتب الفاجعة مع روايته, حيث ان عمل بطل القصة مع والده في مغسل الموتى كإشارة لحال العراق, حيث يسير الكاتب مع مطحنة حرب الثمانينات, ثم غزو الكويت وويلات تلك الحرب المجنونة, ثم الحصار الاقتصادي الذي طحن العراقيين, فالموت والخيبة متلازمان مع كل ايام العراق.
وهذا اثر في قيم المجتمع نتيجة السحق المتواصل, ما بين الضغط والقهر والفقر تتزلزل القيم, وتنتج مجتمع الغابة, وهذا ما اراده النظام الطاغوتي, انه الكابوس العراقي وتصور معي كيف الحياة بداخله! انها مأساة الانسان, زمن القهر العراقي كل شيء يسير بحسب ارادة صدام الشريرة, حقوقنا نسرقها اذا اردنا ان نصل اليها, كذلك الحب كان سرقات صغيرة لكي يزهر في بيئة ملغمة.
كوابيس بطل الرواية كانت تشير الى هذه الحالة الصعبة, التي يعيشها الانسان في ذلك الزمن المخيف.
· هموم الحرب والحصار
الرواية تتحدث عن اصعب مراحل العراق الحديث وهما مرحلة حرب ايران في ثمانينات القرن الماضي, ثم حرب الكويت والحصار الاقتصادي الذي تبعها, حيث تعرض الشعب العراقي لعملة سحق غير طبيعية, ويعبر الكاتب عبر الشاب "جواد" المحب للرسم والفن التشكيلي, حتى يتخرج من الكلية فلا يجد مكان للعمل ضمن تخصصه, فتحاصره البطالة, فيعود للعمل في مجال ابيه ــ تغسيل الموتى ــ, فيمارس طقوسه الخاصة وقراءات معينة خاصة بالعمل مع تساؤلات تطارده, اما اخوه الاكبر اموري فهو الطيب المحبوب الذي يفهم اباه جيدا, ويفهم اخاه ويصلح كل ما يفسد, والذي يتخرج من كلية الطب, لكن ذات يوم حزين يعود من جبهات القتال ملفوفا بالعلم العراقي!
حتى الحب الذي عاشه "جواد" ايام الكلية مع "ريم" كان حب امام عائق طبقي, صعب ان يزهر وسط التفاوت المجتمعي الصارخ, فتزوجت واختفت, ثم عادت بعد سنوات ليعود الحب ومع اصرار كبير من "جواد" للفوز بالحبيبة, وتمت الخطبة وكان سعيدا في تلك الايام, لكن النهاية كانت حزينة وغامضة بغياب الحبيبة واهلها عن بغداد.
انها ذاكرة العراقيين لفترة مظلمة عاشها الشعب العراقي, ما بين الحرب والحصار وقهر النظام, كانت العوائل تترقب قدوم ابنائها بالتوابيت, فكل له دوره ليعطي ابنه لمحرقة الحرب, طابور الشهداء لم يتوقف الا بإعلان انتهاء الحرب عام 1988, ولم تدم طويلا حتى اندلعت الحرب الثانية عام 1990.
· رمزية شجرة الرمان
جاءت شجرة الرمان في الرواية لتروي لنا الكثير, فهي شجرة وحيدة مثمرة موجودة في مغتسل الاموات, وكان الاب يأتي بثمارها فيسرع الاطفال لالتهامه بفرح, لكن توقف بطل القصة عن الاكل منها! بعد ان اكتشف ان شجرة الرمان ترتوي من مياه غسل الاموات! ومشهد اخر مهم عند تغسيل طفل صغير حيث لاذ بطل الرواية نحو شجرة الرمان عسى ان ينسى ما شاهد.
فهي اسقاطات ممتاز من الكاتب نحو الوضع العراقي, الذي يعتمد على نهر الدم الجاري في السيطرة على البلاد.
فيصور لنا ان ثمار الحياة البائسة تروى من دماء الشعب, الذي يتعرض لضغط رهيب تحت حكم الدكتاتورية, فحتى مباهج الحياة البسيطة (تناول ثمرة الرمان) فهي مروية من ما تبقى من تغسيل ابناء الشعب, ومع ان الشجرة تملك من القبح الباطني ما يجعل الطفل يرفض لاحقا تناول حتى مجرد حبة رمان, مع ذلك عند الحزن يلوذ بها هاربا من الواقع شديد المرارة الى شجرة مرة بباطنها, فلا ملاذ امن في بلد القهر والحرمان نفس خيباتنا.
· نار الطائفية
حاول الكاتب تسليط الضوء على المرحلة الخطيرة التي مر بها البلد عام 2006 عبر تعريتها واظهار قبحها البشع, فارتفع صوت الطائفية, واشتعل اقتتال الاخوة, وتكدست الجثث في الشوارع, وعاد نهر الدم ليجري, فعراب الحرب والقتل لم يعد واحد بل تكاثر العدد, فاصبح قطع الرؤوس امرا معتادا, وتناوله الكاتب عند اتيان اب براس ابنه لغرض التغسيل والتكفين, من دون جسد لتغسيله, فكل ما وجد من ابنه الراس فقط!
حيث اتخذ الموت عنوانا لأيامنا, بصورة غريبة سريالية لم نعهدها سابقا, قام الكاتب بتوصيفها بشكل مخيف قطع الجثث, جثث مضروبة برصاص, واخرى مقطوعة الراس وجسد مقطع بمنشار كهربائي, جثث تصل للمغتسل قد فارقت الحياة طعنا وخنقا وتقطيعا وحرقا وبقرا...
· الحب الذي يموت
في الرواية يعيش البطل "جواد" قصتي حب وسط كم الاحزان والخيبة المسيطرة على سير الرواية, كان الكاتب يحاول عبر الحب ان يخرج من اطار الحزن, فكانت قصة حب "مريم" في ايام الجامعة, ثم قصة حب "غيداء" قريبته, ثم القصتان لا تكتملان, فالأولى تصاب بمرض سرطان الثدي وتسافر للعلاج مع عائلتها ولا تعود, والثانية وبقرار من عائلتها تهاجر معهم بعيدا عن العراق, وهكذا الحب يموت في جحيم العراق, ومهما حاول البطل "جواد" الافلات من قيود السجن الكبير, لكن يفشل اخيرا.
وبعد قصتي حب خائبة, وعدم تحصله على عمل يناسبه, يقرر الهجرة والهرب من جحيم العراق, لكن لا تتحقق الاحلام لهذا الفتى, وهكذا يفشل "جواد" في الهروب من العراق فيعود خائبا بعد ان وصل الى حدود الاردن.
النهايات كانت واقعية بعيدة عن ما يرسمه بعض الكتاب من طريق مفروش بالورد للبطل, وهذا يحسب للرواية - واقعيتها -.
· مأخذ على الرواية
جفلت الرواية بنصوص كثيرة جاءت باللهجة العامية العراقية, وغلب عليها الشتائم التعبيرات الاباحية ووصف لممارسة الحب مع حبيبته, ونشر ما بين السطور مفردات وجمل وحوارات باللهجة العامية, والحقيقة ارى لا ضرورة حتى في الحوارات من اقحام العامية, ولا داعي لكل هذا الترقيع ما بين الفصحى والعامية, واعتقد ان العامية اينما وجدت فهي تفقد الشيء مستواه الادبي سواء أكانت في الشعر او النثر او القصة او الرواية.
ان الحوار عندما يأتي ببعض الكلمات العامية قد يكون لعدم القدرة على استبدالها بالفصحى, وهذا قد يكون عذرا, عندما يمكن ان نجيز له استخدامه للهجة العامية,
اعرف جيدا الحجة التي يسوقها من يكتب بالعامية - بصورة عامة -, والتي تتمثل في انهم يستخدمون لغة الناس العاديين التي ينطق بها في الشوارع والبيوت والمقاهي والاسواق, وهي اقرب لعقول القراء وذوقهم! وهذا الكلام ينسف الجوهر الحقيقي للأدب.
· مشاهد الجنس لماذا؟
ادخل الكاتب مشاهد جنسية للرواية, تتمثل بعلاقة البطل ب " مريم" و "غيداء" بتفاصيل دقيقة وجدها الكاتب مهمة في بناء روايته! وبعض النقاد اعتبرها فرصة للقارئ للالتقاط الانفاس وللخروج من الجو العام الكئيب للرواية, عبر مشاهد الجنس السري مع الحبيبة, وهذا الرأي كان للدفاع عن الرواية امام منحدر الجنس, والذي كان يمكن التعبير عنه بصورة مختلفة تحفظ للرواية احترامها, واليوم نشهد نزعة عند الكثيرين للكاتبة عن الجنس بشكل مكشوف جدا, متاثرين بالنزعة الغربية مع ان هكذا كتابة خروج عن القيم الاخلاقية والانسانية الفطرة, وهذا لا يعني ان نصادر الحرية.
وأسألك عزيزي القارئ هل تشتري هذه الرواية لابنتك او اختك او حتى لابنك المراهق وفيها مشاهد جنسية واضحة.
وعلينا ان ننوه الى شيء هام فعله المستشرقين, حيث عمدوا الى ابراز هذا النوع من الادب في الادب العربي القديم, واغفلوا ما عداه من ادب قديم, مثلا عندما كتبوا عن ابي نؤاس لم نر مما كتبوا الا الخمريات والغلاميات والنسائيات, مع ان ابا نؤاس له من شعر الزهد والتوبة ما فاق فيه ابا العتاهية.
إرسال تعليق
إرسال تعليق